عندما جلست لأبدأ كتابة هذا المقال، احترت في اختيار العنوان المناسب له. “لماذا يُخفق إختيار المواهب في الشرق الأوسط في تلبية إحتياجات الإنتاج” كان ذلك هو خياري الأول للعنوان، ولكنه عنوان طويل نوعاً ما… أما الخيار الآخر فكان “لماذا لا نرى كل المواهب الرائعة التي يزخر بها الشرق الأوسط؟” … اتضح انه عنوان أطول من الأول! … ثم قلت لنفسي، “اكتب الواقع كما هو دون تنميق أوتجميل” … عذراً، ولكن تلك هي الحقيقة، فعملية إختيار المواهب (الكاستينج) في منطقة الشرق الأوسط فعلاً فاشلة!
في عام 2012، وبعد عقد من الخبرة في مجال البنوك والإدارة في شركات ضخمة، استجبتُ لنداء الفن وعُدتُ إلى الولايات المتحدة ساعياً لتحقيق حلم التمثيل بشكل احترافي. وبالرغم من ظهوري في عدد كبير من الأعمال والمسلسلات الأمريكية الناجحة خلال أول عامين، لم أرغب بأن أكون أحد الممثلين العرب الذين يجذبهم تيّار هوليوود ليُفقدهم سحرها وبريقها تدريجياً صلتهم بجذورهم وثقافتهم العربية. ولأني إتقن العديد من اللهجات العربية ومنها الفصحى (كما ترون!)، تقت للمشاركة في أعمال عربية ذات جودة انتاج عالية؛ ومع ذلك، واجهتني عقبة كبيرة!
فعلى عكس نظام الكاستينج الواضح والمنظم في الولايات المتحدة الذي يتيح المجال للممثل(ة) (أو وكيله) للتقديم على وظائف في مجال الفنون الأدائية كالأفلام، والإعلانات، والمسلسلات، والمسرحيات، وغيرها من خلال تقديم ملفهم الخاص لهذه الفرص عبر مواقع الانترنت المختلفة، رأيت أن نظام التعرف إلى الفرص الفنية المتاحة في الشرق الأوسط والتقديم إليها نظام متأخر. وعندما سألتُ بعض الممثلين عن إجراءات الاختيار والاختبار للأدوار، كان الرد محبطًا: “لازم تعرف شخص في الوسط الفني”!… تُعد المعرفة الشخصية والسمعة أحد أهم الوسائل للحصول على العمل في كل المجالات، ولكن أن تكون العلاقات الشخصية هي أساس النظام فألطف ما يمكن ان يوصف به نظام كهذا هو أنه … بدائي!
في تلك اللحظة ولدت فكرة منصة كاستينج أريبيا، وقمت بشراء اسم الموقع في نفس العام، ولكن انشغالي في التمثيل والكتابة لم يتح لي الوقت اللازم لبناء المنصة. واستمر الحال هكذا … إلى أن انتشرت جائحة الكورونا، فبالنسبة لي، كانت ولادة “كاستينج أريبيا”إحدى “حسنات” الكورونا النادرة جدًا!
“كاستينج أريبيا”هي عبارة عن منصة رائدة عل شكل تطبيق وموقع إلكتروني مستوحاة من نظام الكاستينج الغربي وهي تهدف إلى إحداث ثورة في عملية استقطاب وتوظيف المواهب في منطقة الشرق الأوسط، حيث تقوم بوصل الفنانين بالفرص بأسلوب سلس وسهل كالذي يتمتع به اصحاب المواهب في أمريكا وأوروبا وبعض الدول الأخرى. ففي هذا العصر المتقدم، لا يعقل أن يكون الاعتماد على العلاقات الشخصية أو تصفح قواعد البيانات القديمة هو اساس التوظيف. مع “كاستينج أريبيا”أصبح بإمكان المنتجين والمخرجين ومسؤولي الكاستينج الآن ان ينشروا الوظائف على المنصة ثم يتلقوا الطلبات ويراجعوا الملفات الشخصية دون عناء أو هدر لوقتهم الثمين. إنها نقلة نوعية هائلة مقارنة باللجوء إلى الأساليب التقليدية المقيدة الحالية المتبعة كوسائل التواصل الاجتماعي أو الواتساب أو المكالمات الهاتفية المرهقة. المنصة متوفرة حالياً لعدد محدود من المنتجين بشكل مجاني حتى نهاية هذا العام. (لفهم أشمل للفرق بين عملية الكاستينج الغربية و الكاستينج في الشرق الأوسط، يُرجى مشاهدة هذا الفيديو.)
تُعد “كاستينج أريبيا”نقلة نوعية، فهي ليست مجرد منصة تربط المواهب بالفرص؛ بل هي أداة لتعزيز صناعة الفن في الشرق الأوسط والنهوض به من خلال توفير المحتوى التعليمي القيم وآخر أخبار عالم الفن لخلق مجتمع ونظام فني وبيئة خصبة للنمو والإبتكار.
يعد التعاون في أي صناعة في العالم مفتاحاً للتغيير الإيجابي، لذلك أعلنا تحالفنا مع مجلة التقدير. فأنا وإيريك، صاحب مجلة “التقدير”، يجمعنا إيماننا بأن تحالفنا سيكسب “كاستينج أريبيا”انتشاراً وحضوراً أكبر في أوساط السينما، بينما ستتمكن مجلة “التقدير “من التعرف بشكل أكثر خصوصية على عالم المواهب من خلال منصتنا. كانت فكرة التحالف خياراً بديهياً، فنحن يجمعنا هدف مشترك وهو تعزيز التعليم والمساهمة في تطوير محتوى الفن المرئي في منطقة الشرق الأوسط.