“مسافر يطّا” هي مجموعة من القرى الفلسطينية الصغيرة في الطرف الجنوبي الشرقي للأراضي المحتلة. تظهر المنطقة على خرائط آبل بهذا الاسم، لكنها غير موجودة على خرائط جوجل، ويمكن أن تظهر فقط عند كتابة أسماء بعض القرى. وهذا ليس مفاجئًا لأن إسرائيل تعتبر هذه القرى وسكانها، قابلين للمحو.
بدأ تصوير فيلم “لا توجد أرض أخرى” في عام 2019، مع تصاعد عمليات طرد سكان المنطقة من منازلهم، وانتهي التصوير في أكتوبر 2023، بعد الأعمال الفظيعة التي ارتكبتها حركة حماس والمجازر الإسرائيلية التي تلتها. ويكتسب هذا الفيلم الوثائقي، الذي أنتجه ناشطان فلسطينيان وناشطان إسرائيليان، أهميته في توثيق الخطة الصهيونية للقضاء على الوجود الفلسطيني قبل أحداث 7 أكتوبر بمدة طويلة. هذا ليس مفاجئًا بالطبع، ولكن بالنسبة لباسل عدرا، وراشيل سزور، وحمدان بلّال، ويوفال أبراهام، كانت الطريقة الوحيدة للتغلب على شعورهم بالعجز التام هي من خلال توثيق عمليات الاستيلاء المستمر على الأراضي الفلسطينية والمعاملة الوحشية لسكانها.
لم تكن جودة التصوير في أحسن حالاتها، لأن الجنود الإسرائيليون لا يحترمون المصورين حتى لو كانوا صحفيين، ولكن تمكن صناع العمل من حل المشكلة بكفاءة في مرحلة المونتاج، بالرغم من أنها لم تكن مهمة سهلة نظرًا لحالة عدم اليقين في ظل الأحداث الجارية والضغوطات التي مروا بها لتجميع مشاهد الفيلم بأقصى سرعة من أجل عرضه لأول مرة في مهرجان برلين. في قلب كل ذلك، يعيش باسل عدرا، طالب القانون الذي تحول إلى ناشط حقوقي ولم يجد أي وظيفة سوى العمل في البناء على الجانب الآخر من الجدار الإسرائيلي العازل. باسل هو المخرج، والكاتب، والمونتير المساعد، والراوي في بعض المشاهد، والشاهد المرهق والواعي على اعتداءات الجيش والمستوطنين الإسرائيليين (غالباً ما يكونوا معًا). وبغض النظر عن أن العائلات هناك لديها عقود ملكية للأراضي منذ عقود، قبل أن يصبح بنيامين نتنياهو رئيسًا للوزراء، كانت الحكومة الإسرائيلية تحاول طرد المالكين، مدعية أن الجيش يحتاج إلى المنطقة للقيام بمناورات عسكرية.
في صيف عام 2019، بعد طرد بعض العائلات وإجبارها على العيش في الكهوف، التقي باسل بيوفال أبراهام، الصحفي الإسرائيلي غير المتمرس الذي يتحدث اللغة العربية ويسعى لتوثيق ما تقوم به بلده. على عكس باسل، يوفال تنقصه الخبرة ومتلهف قليلاً، ولديه “عقدة المنقذ” أو “متلازمة الفارس الأبيض” الذي جاء لمساعدة الفلسطينيين على الحصول على العدالة.
في البداية، كان يوفال مثل الحليف المتعاطف الذي لا يفهم حقًا الفجوة الهائلة بين شخص يمكنه الانغماس في المشكلة لبعض الوقت، ثم العودة إلى منزله المريح على الجانب الآخر من الجدار، وبين أولئك المُحاصرون في الداخل ويحاولون الاحتفاظ بما يملكونه. تنضج نظرة يوفال تدريجيًا، وهو المخرج المساعد، والكاتب، والمونتير للفيلم، وبالرغم من أنه ليس مثل باسل الذي يعيش تحت الاحتلال يوميًا، ولكن نظرته تصبح أكثر واقعية مع الوقت.
يوثق الثنائي سويًا استيلاء الجيش الإسرائيلي على الأراضي والانتهاكات الأخرى، مثل تدمير الجيش لمولد كهربائي، وفتح النار على “هارون أبو عرام” الذي أُصيب بالشلل من الرقبة إلى الأسفل. في عام 2020، منع الجيش الإسرائيلي القرويون من قيادة السيارات في المنطقة، ثم دمروا مزارع الدواجن (والحيوانات في الداخل) في عام 2021، وفي العام التالي، هدموا المدرسة الوحيدة في المنطقة. لم يكن أيًا من هذا غير متوقعًا. في البداية، كان يأمل باسل في أن توثيق هذه الانتهاكات للقانون الدولي سيضغط على الولايات المتحدة لممارسة الضغط على إسرائيل وتخفيف انتهاكات الاحتلال، لكن بالطبع كانت الولايات المتحدة على علم تام بما يحدث، وأحيانًا تعاقب على بعض المخالفات مع الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة. في نهاية الفيلم، حطم الجيش الإسرائيلي أنابيب الري في المنطقة (ليساعد المستوطنات المتزايدة على سقي حدائقها)، لتختفي كل الأوهام ويحل محلها الواقع المرير.
تعكس هذه النهاية الوضع في أكتوبر 2023، عندما لا يجد المستوطنون ما يمنعهم من مهاجمة الفلسطينيين في الضفة الغربية في أعقاب محاولة إسرائيل المستمرة للقضاء على جميع سكان غزة. لا توجد نهاية سعيدة هنا، ولا بصيص أمل وسط الظلام، فقط الأصوات الملحة للأشخاص الذين طُردوا من منازلهم أو قُتلوا، وجهود المؤرخين المُنهكين الذين يعرفون أنه لا يمكنهم الاستسلام.