كذب أبيض

VERDICT: تكتشف أسماء أن أرشيف عائلتها متناثر وخالٍ تقريبًا من الصور، لأن جدتها المتدينة تعتبر الصور الشخصية "حرام"

يخوض الفيلم الوثائقي غير التقليدي “كذب أبيض” رحلة استكشافية في سلسلة من الذكريات المؤلمة على المستوى الشخصي والوطني، وتستخدم المخرجة المغربية أسماء المدير في فيلمها الطويل الثاني، تماثيل غريبة الشكل ومخيفة قليلاً تمثلها هي وأقاربها داخل نموذج مصغر من شارع طفولتها في الدار البيضاء، وتستعين بأفراد من عائلتها من عدة أجيال سواء كممثلين، أو طاقم عمل، أو رواة غير ثابتين، لمناقشة بعض الموضوعات الشائكة.


وتتشابك الذكريات الشخصية في “كذب أبيض” مع السياق الاجتماعي والسياسي الأوسع، وهو نهج تتبعه بشكل متزايد مؤخرًا الأفلام الوثائقية التي تتناول جزئيًا سيرة ذاتية، مثل فيلم “الصورة المفقودة” لريثي بان (2013)، و”صورة عائلة بالأشعة السينية” لفيروزة خسرواني (2020)، و”الكسوف” لناتاشا أوربان (2022). إذا نظرنا للفيلم من زاوية الصحافة الاستقصائية، سيبدو غامضاً بعض الشيء، لكن إذا اعتبرناه تمثيلية تخيلية، سنجده خلابًا ومثيراً للاهتمام.


تكتشف أسماء أن أرشيف عائلتها متناثر وخالٍ تقريبًا من الصور، لأن جدتها المتدينة تعتبر الصور الشخصية “حرام”، لذا فكرت في إعادة إحياء شارع طفولتها في صورة مصغرة. وصنع والدها محمد، وهو عامل بناء سابق، مجسم للشارع يحتوي على كل التفاصيل الدقيقة، ويلعب هذا المجسم الرائع دوراً رئيسياً في الفيلم، حيث أصبح “مكانًا يمكن فيه استكشاف الأسرار”، كما وصفته أسماء.

هذا السر المؤلم الذي يتناساه الجميع هو الاضطرابات المدنية الدموية، المعروفة بـ”انتفاضة الخبز”، التي اندلعت في الدار البيضاء في مايو 1981 بسبب ارتفاعات حادة في أسعار الأغذية الأساسية. وقوبلت هذه النسخة المبكرة من انتفاضات الربيع العربي بمقاومة شديدة من حكومة الملك الحسن الثاني الاستبدادية، التي أرسلت وحدات الشرطة والجيش لقمع المتظاهرين، الذين كان معظمهم من الشباب العاطلين من الأحياء الفقيرة المحيطة بالمدينة.

كان العدد الرسمي للوفيات في يوم “الأحد الأسود” 66، لكن العدد الحقيقي للضحايا كان أقرب إلى 600. وكانت فاطمة، إحدى جيران أسماء في سن المراهقة، من بين القتلى. وعانى الآلاف غيرها من وحشية الشرطة وأحكام السجن الطويلة، بما في ذلك صديقان آخران للعائلة، هما عبد الله زويد وسعيد مسرور، اللذان يظهران بشكل بارز في الفيلم. حاولت السلطات تهوين المذبحة في ذلك الوقت، لكن أسماء قالت أن ملعب كرة قدم سابق في شارعها القديم، الذي كان يُستخدم في السابق كمقبرة جماعية للمتظاهرين القتلى المجهولين، تحول منذ ذلك الحين إلى نصب تذكاري.

يتنقل المشاهدون داخل مشاهد الفيلم ذهاباً وإياباً بين التماثيل المرصوصة في وضع مسرحي والمناقشات الخلفية المتوترة بين أسماء وأفراد عائلتها، وخصوصاً جدتها حادة المزاج زهرة. وبالإضافة إلى اعتراضها العنيف على التمثال “المشوه” الذي يمثلها في مجسم الشارع المصغر، توبخ الجدة حفيدتها كثيراً لارتدائها ملابس تشبه “ملابس العاهرات”، وغير ذلك من الخطايا التخيلية. وتهمس الجدة في غضب: “لا تقولي إنكِ صانعة أفلام! أنتِ تشعريني بالخجل أمام الجيران”. وبالرغم من أن هذه الصراعات تضيف لمسة من الإثارة الممتعة للفيلم، فإنها في النهاية تبدو درامية بعض الشيء، كما لو كانت مكتوبة ومصممة مسبقاً. وقد يكون تحليلنا قاسياً، لكن زهرة تبدو وكأنها تستمتع بلعب دور الشريرة لدرجة أنها تبالغ في سلوكها المعتاد.

تستحق أسماء المدير الثناء لإلقائها الضوء السينمائي على انتفاضة الخبز عام 1981، التي نُسيت إلى حد كبير خارج المغرب. لكن معالجتها لهذا الموضوع المشحون عاطفيًا تبدو غامضة في بعض الأحيان، ومقيدة جداً بالصراعات العائلية الدرامية والقضايا الشخصية الضبابية. لم يتعمق “كذب أبيض” في تفاصيل الأحداث، واكتفى بالقليل جدًا من السياق التوضيحي للانتفاضة، أو معاناة الضحايا مثل فاطمة، وعبد الله، وسعيد. ومع ذلك، نجح هذا الوثائقي المختلف كتجربة حسية جذابة، وقدم لنا عالماً صغيراً متقن التنفيذ ومغلف بمؤثرات صوتية جيدة، وموسيقى، وشعر، وتعليق صوتي سريالي من المخرجة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *