تدور أحداث فيلم “أطفال غزة” للمخرج لوريس لاي في مدينة غزة عام 2003 خلال الانتفاضة الثانية، حيث يروي قصة صداقة تنشأ على مضض بين صبي فلسطيني وآخر إسرائيلي يجمعهما حب ركوب الأمواج، في أجواء مفعمة بالحيوية وإن كانت مألوفة بعض الشيء، لكنها تبدو غير واقعية في سياق المذابح التي تحدث اليوم.
ملوحًا بغصن الزيتون الهش في صورة صداقة بين طفلين في وجه حروب الكبار العنيفة، يخاطر المخرج الإيطالي الأمريكي لوريس لاي – وهو يخرج أول فيلم روائي طويل له لكن بدعم من المنتجة الإيطالية المعروفة إلدا فيري وطارق بن عمار، الذي أنتج مؤخرًا فيلم فلسطيني آخر بعنوان “المعلم” – بأن يُنظر إليه على أنه مثالي وحالم بتقديم الأطفال كآخر أمل للفلسطينيين والإسرائيليين لتحقيق التعايش السلمي. وللأسف، يبدو هذا الأمر بعيد المنال خصوصاً مع استمرار الحرب ضد غزة وتفاقم الخسائر.
وقصة الفيلم مستوحاة من رواية نُشرت عام 2013 لنيكوليتا بورتولوتي، وكان الفيلم (المعروف أيضًا بعنوان “رول”، وهو مصطلح يتعلق بركوب الأمواج) جاهزًا للعرض قبل أن تقوم حماس بالهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر، مما جر المنطقة إلى الحرب المميتة الحالية. لهذا السبب، الفيلم ملائم زمنياً وفي غاية الروعة، حيث يصف غزة تحت الهجوم، ولكنه في نفس الوقت متأخر بشكل مربك في إيمانه بالغرائز الطبيعية للأطفال لتجاوز وضع يخضع بوضوح للسيطرة السياسية.
في البداية، نتعرف على ولد يتيم الأب يبلغ من العمر أحد عشر عامًا، اسمه محمود، والذي يجسد شخصيته بشكل جذاب الوافد الجديد مروان حمدان، وهو يلعب لعبة “اقتل اليهودي” مع أصدقائه، نصفهم يرتدي أقنعة ورقية مروعة لتمثيل الإسرائيليين، وأسلحتهم مصنوعة من الخشب والأسلاك، وفي الخلفية نسمع أصوات حقيقية لإطلاق الرصاص. نرى من حولهم أنقاض منازل مدمرة وسيارات محطمة، وأحيانًا جثث أيضًا. يبدو الأطفال غريبو الأطوار وكأنهم غافلون عن هذا العالم المقزز من الموت، حتى وإن تم اختيار بعضهم من قبل بالغين ملثمين لغسل أدمغتهم وتدريبهم للقيام بمهام انتحارية. وعلى عكس فيلم “المعلم”، يرسم الفيلم خطًا فاصلًا واضحًا بين الغزاويين العاديين مثل والدة محمود (التي جسدتها بشكل أنيق لينا خودري) ومقاتلي حماس، الذين يظهرون كطائفة قتل بلا ضمير في مشاهد مخيفة داخل معسكر التدريب. ويبدو أن هذا هو المسار المخيف المقدر لمحمود الشروع فيه.
على النقيض من الواقعية الجهنمية لبيئته، يحلم الصبي بأن يصبح بطل ركوب الأمواج مثل الأجنبي الأشقر دان (الذي يجسده توم ريس هاريز)، المعروف أيضًا باسم شبح غزة، الذي يخرج من مشاكله الشخصية واكتئابه ليعطي محمود بعض دروس ركوب الأمواج على شواطئ الرمال الواسعة في المدينة. لكن هناك طالب آخر، ألون (يجسده ميخائيل فريدل)، الذي يعيش مع والديه في مستوطنة إسرائيلية قريبة. يتنقل ألون بشجاعة ذهابًا وإيابًا عبر الحدود المحروسة بشدة لركوب على الأمواج. وتبدو هذه الحبكة الفرعية غريبة وسريالية جدًا وسط الحرب، التي تظل حاضرة دائمًا مع القصف المستمر، والضحايا النازفين، والأمهات الثكلى، وكلها معروضة بالصور التي اعتدنا عليها في نشرات الأخبار.
ويزداد هذا التباين في عدة مشاهد تحت الماء ذات جمال شعري، التُقطت بواسطة مدير التصوير شين سيغلر، ويصاحبها ألحان سماوية من الملحن الإيطالي الحائز على جائزة الأوسكار نيكولا بيوفاني، الذي يُعد إضافة كبيرة للفيلم. ينقل تصميم الإنتاج على يد بسام مرزوق إحساسًا حقيقيًا بالحياة اليومية تحت قصف القنابل ونيران الرشاشات. ومن اللحظات البارزة زيارة محمود المذهلة إلى الأنفاق تحت غزة، حيث يشاهد تحضيرات حفل زفاف وسط الأسلحة والصواريخ والاجتماعات الاستراتيجية.