بذل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي جهودًا كبيرة هذا العام لإبراز تنوع القصص الأفريقية، مع مجموعة من الأفلام التي عكست ثراء القارة الإبداعي. تضمنت العروض فيلم داهومي للمخرجة ماتي ديوب، وهو أحد أبرز أفلام المهرجانات هذا العام، وأرض الانتقام لأنيس جعاد من الجزائر، ومدنية لمحمد صبحي من السودان. كما كان من بين الأعمال البارزة الجسر لوليد مطر من تونس، وأبو زعبل 89 لباسل مرتضى من مصر، ولستُ أنا لهشام الجباري من المغرب. من مدغشقر، احتفى لوك رازاناجاونا بالإرث الموسيقي في فيلم ديسكو أفريكا: قصة مالاجاشية، بينما قدمت ياسمين سامديرلي منظورًا صوماليًا دوليًا في فيلم سامية. وسيُعلن عن جائزة أفضل فيلم أفريقي، المصحوبة بجائزة نقدية قدرها 5000 دولار، في ختام المهرجان.
إلى جانب لجنة تحكيم مخصصة للسينما الأفريقية، شهدت أيام القاهرة لصناعة السينما ندوة جذبت اهتمامًا واسعًا بعنوان “التمثيل الأفريقي في السينما”. أدار النقاش الناقد والكاتب في مجلة فارايتي جون بليزديل، وشارك فيه المخرج والمنتج السوداني الحائز على الجوائز أمجد أبو العلاء، ومنسقة المشاريع في معهد سوق فيلم ديربان الجنوب أفريقية فايزة ويليامز، والمنتجة والناقدة الفرنسية-البوركينية والمستشارة السينمائية كلير دياو من منظمة أفريكا نو فلتر.
أشارت كلير دياو إلى أن جمهور السينما العالمية وحتى العربية تميل في كثير من الأحيان إلى تصور أفريقيا من خلال الصور النمطية السلبية. وأكدت على جهود أفريكا نو فلتر لإعادة تشكيل هذه السرديات عبر توفير نوعين من التمويل: 5000 دولار للأفلام القصيرة و10,000 دولار للأفلام الطويلة. المنظمة تهدف إلى دعم القصص الأفريقية الأصيلة والمتنوعة، ومواجهة الصور النمطية القديمة، من خلال المنح، والأبحاث، والدعوة للتمثيل الإيجابي.
أكدت دياو أن المشاريع تُختار بناءً على تمثيلها الإيجابي، وشاركت تجربتها الشخصية عندما نشأت في أوروبا، حيث غالبًا ما كانت الحملات غير الحكومية تعرض أفريقيا كقارة فقيرة من خلال صور الأطفال الجائعين. وأشارت إلى دهشة الجمهور عندما عملت على مشروع يصور شخصيات أفريقية تستخدم الهواتف وتتحدث البرتغالية، وهو ما يعكس مدى عمق الرسائل النمطية الراسخة. كما كشفت عن خطط لتوسيع دعم أفريكا نو فلتر، وزيادة التمويل، وتقديم برامج جديدة لتوزيع الأفلام للأفارقة.
شددت فايزة ويليامز على أهمية تطوير جيل جديد من المرشدين الأفارقة لتوجيه صانعي الأفلام في تجنب الصور النمطية الضارة. وقدمت برنامج “المرشدين المستقبليين”، وهو مبادرة من سوق فيلم ديربان تهدف إلى معالجة نقص المرشدين من أفريقيا والشتات الأفريقي. يسعى البرنامج إلى جذب محترفي السينما لتوجيه صانعي الأفلام الواعدين.
يعد سوق فيلم ديربان، الذي يُقام خلال مهرجان ديربان السينمائي، منصة لربط صانعي الأفلام الأفارقة بمحترفي الصناعة العالميين. يوفر السوق فرصة لطرح المشاريع، وحضور ورش العمل، وجلسات التشبيك، مما يساهم في نمو السينما الأفريقية. كما ذكرت ويليامز برنامج DMF Business Lab، وهو دورة تدريبية لمدة 14 أسبوعًا تهدف إلى تزويد المنتجين الناشئين بالمعرفة المالية والقانونية لضمان استدامة الإنتاج السينمائي.
تناول أمجد أبو العلاء التحديات التي تواجه أفلامه، مثل نقص التقدير لتنوع أفريقيا، بما في ذلك الأفارقة العرب والمتحدثون بالإنجليزية والفرنسية والبرتغالية. وأشار إلى أن جهات التمويل الدولية غالبًا ما تطالب بأن تصور ملصقات الأفلام مظاهر الفقر. كمنتج لفيلم وداعًا جوليا – وهو دراما سودانية تستكشف قضايا الذنب والمصالحة – شارك كيف تغلب الفيلم على هذه التحيزات وحصد جوائز، منها جائزة الحرية في قسم “نظرة ما” في مهرجان كان 2023، وأفضل فيلم في مهرجان الجونة السينمائي.
بينما أكدت دياو على الحاجة إلى وجود أصوات أفريقية في لجان اختيار الأفلام لتعزيز التمثيل المتنوع ومنع اختيار الأفلام التي تعزز الصور النمطية، أعربت ويليامز عن تفاؤلها، مستشهدة بنجاح مشاريع خرجت من سوق ديربان، مثل فيلم البحث عن ملاذ للسيد رامبو، الذي شارك في برنامج التطوير بالسوق عام 2020، وعُرض لاحقًا في مهرجانات فينيسيا والقاهرة والبحر الأحمر.
برز موضوع تدريب المحترفين الموهوبين أكثر من مرة خلال النقاش. دعا أبو العلاء إلى توفير المزيد من الفرص للطلاب السودانيين والأفارقة في معاهد السينما بمصر وفرنسا. وأشار إلى أن نقص التدريب الفني في السودان يشكل عقبة كبيرة أمام تطوير مهارات مثل التصوير السينمائي وهندسة الصوت، واقترح نموذجًا للتدريب المهني، مشابهًا لما تم استخدامه في فيلم وداعًا جوليا، حيث عمل طلاب السينما السودانيون مع محترفين لاكتساب خبرة عملية.
أما عن التحديات المادية، سلطت دياو الضوء على تكاليف السفر المرتفعة بين الدول الأفريقية، مشيرة إلى أن السفر بين دول القارة غالبًا ما يكون أغلى من السفر من أوروبا إلى أفريقيا. وأوضحت أن تمويل الأفلام الأوروبية يفرض شروطًا، مثل ضرورة أن يكون جزء كبير من طاقم العمل من الدولة الممولة. للتغلب على هذه القيود، لجأ أبو العلاء في فيلمه الأول إلى توظيف محترفين عرب يحملون جوازات سفر فرنسية لتلبية هذه المتطلبات مع الحفاظ على رؤيته الفنية.
في المجمل، شدد المتحدثون على ضرورة تحدي صناع الأفلام الأفارقة للأنظمة التي تقيدهم. سواء من خلال تشكيل تحالفات إقليمية، أو استكشاف قصص جديدة، أو توسيع التعاون مع قطاعات إبداعية أخرى، تكمن قوة السينما الأفريقية في قدرتها على إعادة تشكيل التصورات العالمية. وأكدوا أن هذا الجهد يبدأ من الاعتراف بتنوع القارة والاحتفاء به، سواء في القصص التي تُروى أو في الأشخاص الذين يروونها.